2024-04-16 04:03:02
المسألة الثانية عشرة:
إن هذه الشريعة المباركة معصومة، كما أن صاحبها ﷺ معصوم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة..
ويتبين ذلك بوجهين:
أحدهما:
الأدلة الدالة على ذلك تصريحا وتلويحا، كقوله تعالى: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾
..... (ثم شرح الشاطبي رحمه الله هذا الوجه)
....
والثاني:
الاعتبار الوجودي الواقع من زمن رسول الله ﷺ إلى الآن، وذلك أن الله عز وجل وفّر دواعي الأمة للذب عن الشريعة والمناضلة عنها بحسب الجملة والتفصيل.
أما القرآن الكريم، فقد قيض الله له حفظة بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر، فضلا عن القراء الأكابر.
وهكذا جرى الأمر في جملة الشريعة، فقيض الله لكل علم رجالا حفظه على أيديهم.
فكان منهم قوم يذهبون الأيام الكثيرة في حفظ اللغات والتسميات الموضوعة على لسان العرب، حتى قرروا لغات الشريعة من القرآن والحديث -وهو الباب الأول من أبواب فقه الشريعة، إذ أوحاها الله إلى رسوله على لسان العرب.
ثم قيض رجالا يبحثون يبحثون عن تصاريف هذه اللغات في النطق فيها رفعا ونصبا، وجرا وجزما، وتقديما وتأخيرا، وإبدالا وقلبا، وإتباعا وقطعا، وإفرادا وجمعا، إلى غير ذلك من وجوه تصاريفها في الإفراد والتركيب، واستنبطوا لذلك قواعد ضبطوا بها قوانين الكلام العربي على حسب الإمكان، فسهل الله بذلك الفهم عنه في كتابه، وعن رسول الله ﷺ في خطابه.
ثم قيض الحق سبحانه رجالا يبحثون عن الصحيح من حديث رسول الله ﷺ، وعن أهل الثقة والعدالة من النقلة، حتى ميزوا بين الصحيح والسقيم، وتعرفوا التواريخ وصحة الدعاوى في الأخذ لفلان عن فلان، حتى استقر الثابت المعمول به من أحاديث رسول الله ﷺ.
وكذلك جعل اللهُ العظيمُ لبيان السنة عن البدعة ناسا من عبيده بحثوا عن أغراض الشريعة كتابا وسنة، وعما كان عليه السلف الصالحون، وداومَ عليه الصحابةُ والتابعون، وردوا على أهل البدع والأهواء، حتى تميز أتباع الحق عن أتباع الهوى.
وبعث الله تعالى من عباده قراء أخذوا كتابه تلقيا من الصحابة، وعلموه لمن يأتي بعدهم حرصا على موافقة الجماعة في تأليفه في المصاحف، حتى يتوافق الجميع على شيء واحد، ولا يقع في القرآن اختلاف من أحد من الناس.
ثم قيض الله تعالى ناسا يناضلون عن دينه، ويدفعون الشبه ببراهينه، فنظروا في ملكوت السماوات والأرض، واستعملوا الأفكار، وأذهبوا عن أنفسهم ما يشغلهم عن ذلك ليلا ونهارا، واتخذوا الخلوة أنيسا، وفازوا بربهم جليسا، حتى نظروا إلى عجائب صنع الله في سماواته وأرضه، وهم العارفون من خلقه، والواقفون مع أداء حقه، فإن عارض دينَ الإسلام معارضٌ، أو جادل فيه خصم مناقض، غبّروا في وجه شبهاته بالأدلة القاطعة، فهم جند الإسلام وحماة الدين.
وبعث الله من هؤلاء سادة فهموا عن الله وعن رسول الله ﷺ، فاستنبطوا أحكاما فهموا معانيها من أغراض الشريعة في الكتاب والسنة، تارة من نفس القول، وتارة من معناه، وتارة من علة الحكم، حتى نزّلوا الوقائع التي لم تذكر على ما ذكر، وسهّلوا لمن جاء بعدهم طريق ذلك، وهكذا جرى الأمر في كل علم توقف فهم الشريعة عليه أو احتيج في إيضاحها إليه.
وهو عين الحفظ الذي تضمنته الأدلة المنقولة، وبالله التوفيق.
الموافقات
16.4K viewsedited 01:03