2023-03-19 00:26:09
باب ملاطفة اليتيم والبنات ، وسائر الضعفة والمساكين،والمنكسرين ،والإحسان إليهم ،والشفقة عليهم ،والتواضع ،وخفض الجناح
الحديث : ٢٤٣
وعن أَبي هُبيْرةَ عائِذِ بن عمْرو المزَنِيِّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بيْعةِ الرِّضوانِ رضي اللَّه عنه، أَنَّ أَبا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سلْمَانَ وصُهَيْب وبلالٍ في نفَرٍ فقالوا :
ما أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّه مِنْ عدُوِّ اللَّه مَأْخَذَهَا ، فقال أَبُو بَكْرٍ رضي اللَّه عنه : أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُريْشٍ وَسيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَخْبرهُ فقال : يا أَبا بَكْر لَعلَّكَ أَغْضَبتَهُم ؟ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبتَ رَبَّكَ ؟ فأَتَاهُمْ فقال : يا إِخْوتَاهُ آغْضَبْتُكُمْ ؟ قالوا : لا ، يغْفِرُ اللَّه لَكَ يا أُخَيَّ .
[رواه مسلم]
الشرح
أبو سفيان كان كبير قريش ومقدمهم، وكان أكبر بني عبد مناف، وهو الذي قاد حربهم يوم أحد، فلما كانت الهدنة التي وقعت بين النبي ﷺ وبين المشركين عام الحديبية أمن الناس وصاروا يتنقلون، فجاء أبو سفيان إلى المدينة، وكانت ابنته أم حبيبة تحت النبي ﷺ، فمر بسلمان وصهيب وبلال، سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، وهؤلاء ليسوا من العرب، ليسوا من الأشراف، ليسوا من الكبراء، فلما رأوه قالوا: "ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها"، يعني ما عملت فيه سيوف المسلمين، ما لقي جزاءه وحتفه على يد أُسد الله، يحتمل أنهم قالوا هذا وهو يسمع، ويحتمل أنهم قالوه بينهم حينما مر بهم، فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟.
إن كانوا قالوه وهو يسمع -أعني أبا سفيان، فيتوجه الجواب الذي ذكره بعض أهل العلم من أن أبا بكر قال ذلك تأليفاً لأبي سفيان، ليستميله إلى الإسلام، فلا يسمع ما يُنفره، أراد أن يكسب قبله ربما، وإذا كانوا قالوا ذلك وهو لا يسمعهم فلربما يكون أبوبكر قال ذلك؛ لأنه كره أن يقال ذلك في حق رجل يُعد من كبراء قريش التي هي قبيلة النبي ﷺ، وهي قبيلة عريقة لها من الصفات والمنزلة والخلال ما ليس لغيرها، فلا شك أن أفضل العرب قريش، وقد صح عن النبي ﷺ ما يدل على أن عقل الواحد منهم -أي من القرشيين- برجلين.
وذكر النبي ﷺ أيضاً نساء قريش، وما فيهن من الأوصاف الجميلة، "أحنى على الولد"[2]، أضف إلى ذلك أنها قبيلة نزل القرآن بلغتها، فالقرآن نزل على لغة قريش في نزوله الأول حينما كان ينزل بمكة، واستمر على ذلك ثم نزلت الأحرف الستة، فكأنه كره أن يقال ذلك لرجل هو سيد هؤلاء، وإن كان جاهليًّا لكن لعل الله أن يهديه، فالحاصل أنه قال لهم هذا الكلام، تقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي ﷺ فأخبره، هذا يدل على فضل أبي بكر الصديق ، وأنه ما كان يسترسل مع الشيء الذي يفعله، ولربما يكون عليه فيه مؤاخذة، قال هذه الكلمة كأنه تحسس وتوجس منها، خشي أن يكون فيها شيء، ومباشرة: فأتى النبي ﷺ فأخبره، هل هذا الكلام عليّ فيه حرج؟.
فقال له النبي ﷺ: يا أبا بكر، لعلك أغضبتَهم، لئن كنتَ أغضبتهم لقد أغضبت ربهم[3]، إن كنت أغضبتهم، لماذا؟ لأن هؤلاء من أولياء الله، أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، والله يقول: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب[4]، فمن أغضب أولياء الله فإنه يغضب الله، وهذا يدل على فضل هؤلاء، فقد شهد لهم النبي ﷺ بهذا، فيدل على صدق إيمانهم، وكمال يقينهم، ومنزلتهم عند الله وعند رسوله ﷺ، يغضب الله لهم، يغضب الله لغضب من؟ لغضب أناس هم عند أهل الجاهلية، أو من لم يهذبهم الإسلام في عداد الأعبُد الذين لا قيمة لهم ولا شأن ولا اكتراث، لئن كنتَ أغضبتهم لقد أغضبت ربهم، من الذي يصل إلى هذا المستوى، هذه المنزلة، إذا أغضبه أحد غضب الله لغضبه؟، فماذا فعل أبو بكر؟ ما قال: على كيفهم، ما قال: أنا ما فعلت غلطًا، على جلالته وقدره ومنزلته وشرفه، فأتاهم فقال: يا إخوتاه، أغضبتُكم؟، أأغضبتكم؟ هل الكلمة التي قلت سببت لكم حرجاً وغضباً وضيقاً؟، يريد أن يعتذر إن كان حصل ذلك، قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي، وهذا فيه ما يدل على كمال نفوسهم المهذبة التي هذبها الإسلام، من الناس من إذا سمع كلمة صحيحة حملها على أسوأ المحامل وهو من المسلمين، ويذهب إلى أودية في الأوهام، ويفسر ذلك بحسب ما يروق له، ويكبر ذلك في نفسه، ويأتي الشيطان وينفخ فيه، وأنت صباح مساء لا تدري هو غضبان أو راضٍ، وإن كان غضبان ما سبب الغضب، يوم يتوهم أنك مررت وما سلمت عليه، وأنت تقول: ما رأيته سائر اليوم، ويوم يقول: إنه اتصل وإنك ما رددت، مشغولون، مرضى، لا نعرف رقمك، لأي سبب من الأسباب، هؤلاء مباشرة قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي.
رابط القناة
https://t.me/riyadalsalheeen
603 viewsedited 21:26