2023-03-13 00:22:31
قال شيخُنَا حفِظهُ الله:
(1)
السّجودُ المعهُودُ منَ الخصَائصِ الإلٰهيّةِ في شَرعِنا فمَن صرَفَهُ لأيّ مخلوقٍ فهوَ كافرٌ مُشرِك.ثمّ يُقالُ للمُتعلّقِ بسجُودِ الأمَم: السّجودُ جنسٌ تحتهُ أنوَاع فمِن أيّ ضربٍ كان سجُودُهم؟
وللتّنزّلِ لدرجةٍ أبعد: لو فرَضنا أنّ سجودَهُم مثلُ سُجودِنا فالأصلُ علىٰ حالِهِ؛ لأنّ المُمتنعَ عقلاً: أن يكونَ غايَةُ الخضُوعِ لغيرِ اللهِ في أيّ شرِيعة.
أمّا خُلوُّ الفعلِ من غايةِ الخُضوعِ في شريعةٍ، ثمّ يصيرُ مُتضمّنًا لغايةِ الخضُوعِ في شريعةٍ أخرىٰ فيختصُّ باللهِ فلا يمتنعُ عقلاً؛ ومَنِ ادّعىٰ الامتِناعَ العقليّ فعليهِ البُرهان.
(2)
يُراعىٰ في السّجودِ للّهِ ما لا يُراعىٰ في السّجودِ لغيرِهِ، للقاعدةِ المشهُورةِ في الجنسِ المُنقسِمِ إلىٰ مأمورٍ ومنهيّ عنه.
فالسّاجدُ لا يكون ساجِدًا للهِ إلّا بقيُود، والسّاجدُ لغيرِ اللهِ كافرٌ مطلقًا؛
ومنِ اشترطَ اعتقادَ الرّبوبيّةِ أو قرينةَ المَعبوديّة فهوَ زنديقٌ مُلحِد.(3)
قاعِدةُ التّعليلِ السُّنّيّة وقاعِدةُ الاشتِراطِ الجهميّة.أعمالُ الجوَارحِ إيمَانٌ وكفرٌ لذَاتِها، كذٰلكَ أعمالُ القلبِ معَ أنّ كلًّا منهُما يُؤثّرُ في الآخرِ وجودًا وعدمًا فالشّركُ الظّاهرُ كفرٌ في نفسِهِ ودليلٌ علىٰ انتفاءِ الإيمانِ من القلبِ والكفرُ الباطنُ يوجِبُ الكفرَ الظّاهرَ إلّا عندَ التّقية، والإيمانُ الباطنُ يستلزِمُ الإيمانَ الظّاهرَ حسب القُدرة؛ إذ وجودُ العلّةِ يقتضِي وجودَ المعلُول، وعدمُ المعلولِ يدُلُّ علىٰ عدمِ العِلّة، ولهٰذا كانَ التّكلّمُ بكلمةِ الكفرِ من غيرِ إكراهٍ كفراً في نفسِ الأمرِ عندَ أهلِ السّنّةِ والمرجِئة.
تلكَ قاعدةُ التّعليل.
أمّا الشّرطيّةُ الجهميّة: أعمَالُ الجوارحِ ليسَت كفرًا بذاتِها إنّما الكفرُ ما في الباطِنِ فلا يكونُ الظّاهرُ الفِعليّ كفرًا حقيقةً، بل علامةً علىٰ الكفرِ في القلبِ؛ فمن سجدَ للشّمسِ فلا يكونُ كافرًا بنفسِ السّجودِ وإنّما باعتقادِ الرّبوبيّة أو بقرينةٍ أخرىٰ.
قالوا: الكفرُ الظّاهرُ يعتمدُ في الأحكامِ الدّنيويّة، ومَن حكمَ الشّارعُ بكفرِهِ استدلَلنا بتكفيرِ الشّارعِ علىٰ خلوّ قلبهِ من التّصديقِ؛ فسبُّ الرّسولِ وقتلهُ وموالاةُ أعدائهِ ليسَ كفراً في ذاتِهِ إنّما هي دلائلٌ علىٰ أنّهُ لم يعتقِد تحريمَ السّبّ والقتلِ وموالاة الكفّار، واعتقادُ حلّ ذلكَ تكذيبٌ للرّسولِ فيكفرُ بهٰذا التّكذيبِ وانتفاءِ التّصديقِ لا بالقتلِ والسّبِّ والمُوالاة.
وإذا قدّرَ أنّهُ لم ينتفِ التّصديقُ من قلبهِ كانَ مؤمنًا عندَ الله، وإن كانَ كافراً في أحكامِ الدّنيا؛ لأنّ التّكذيبَ ركنُ التّكفيرِ كما أنّ التّصديقَ شرطُ الإيمان، وانتفاءُ الشّرطِ يقتضِي انتفاءَ المشرُوط.
كذٰلكَ قال أهلُ الشّركِ والتّنديد في عصرِنا: صارفُ الخصائصِ الإلهيّةِ لغيرِهِ ليسَ كافِرًا بنفسِ الفعلِ والقولِ، وإنّما يكفُرُ باعتقادِ الرّبوبيّةِ أو بقرِينةٍ في المصرُوفِ إليهِ، وإذا قدّرَ انتفاءُ الاعتقادِ أو القرينةِ فلا شِركَ ولا كُفر مع كَونِ العملِ غايةَ التّعظيم والخضُوعِ لغيرِ الله.
6.7K views21:22