2023-04-27 21:55:12
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اشتمل السؤال على مسائل:
الأولى: الفرق بين مانع السب ومانع الحكم؟
المانع عند أهل الأصول: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته.
وهو ينقسم إلى ضربين: مانع لحكم السبب، ومانع لسبب الحكم، ومعلوم أن مانع السبب مانع للحكم ضرورة، والمانع للحكم يكون بعد تحقق السببية (حصول السبب).
وقد ذكروا أنّ الوصف المانع للحكم هو المستلزم وجودُه لحكمة تقتضي نقيض الحكم.
مثال مانع الحكم: الأبوّة، مانعة للحكم الذي هو القصاص مع حصول السبب، الذي هو القتل العمد؛ فإنّ الأبوّة مظنّة الشفقة والحنان فتقتضي عدم القصاص، وهو نقيض الحكم الذي اقتضاه السبب (القتل العمد) وهو القصاص.
وعلى أيّ: فالمانع للحكم ليس ضدّ السّبب، وإنما يمنع آثار السبب.
قال القرافي: «المانع ليس ضد المقتضي، بل أثره ضدّ أثره، فالتضادّ بين الأثرين لا بين المؤثّرين، فالدّين والنصاب لا تضادّ بينهما، فيكون مديونا وله نصاب من غير منافاة، لكن أثر الدَّين عدم وجوب الزكاة، وأثر النصاب وجوب الزكاة، والزكاة وعدمها متناقضان». شرح التنقيح (ص779).
وبالضرورة ندري: أن مانع الحكم لا يمنع انعقاد السبب المقتضي للحكم.
ومانع السبب: الوصف المستلزم وجودُه لحكمةٍ تقتضي اختلال حكمة السبب!
مثاله: الدَّين مانع سبب عند من يجعل الدين مانعا من الزكاة من الفقهاء، وهو عندهم وصف مستلزم لحكمة تقتضي اختلال حكمة السبب.
بيانه: وجوب الزكاة هو الحكم.
وسبب الحكم: ملك النصاب لأنه مظنّة الغنى.
لكن الدّين يخدش في حكمة السبب؛ إذ لا غنًى مع وجود الدَّين؛ فالمدين فقير؛ فلا زكاة على فقير في الأموال.
ا
لمسألة الثانية: [هل السبب علة تامة موجبة للحكم أم مقتضية لا موجبة؟]
الجواب: إن أريد بالسبب كلّ ما يتوقف عليه الحكم من سبب وشرط وانتفاء مانع، فالسبب علّة تامة موجبة للحكم.
وإن أريد به مطلق المقتضي بغض النظر عن شرطه المكمّل لأثره؛ فالسبب ليس علة تامة موجبة بل مقتض للحكم.
والصحيح في الأصول: أن المانع ليس المقتضي؛ لأنه إن كان مانع سبب كالجنون والإكراه وعدم القصد إلى الفعل فهو يمنع انعقاد السبب من الأصل.
وإن كان مانع حكم فهو يمنع أثر المقتضي فلا يدخل في مسمّى المقتضي وإلا لم يكن دافعا لأثر المقتضي.
قال العلامة القرافي: «إن عدم المانع ليس معتبرًا في اقتضاء المقتضى، إنما هو معتبر في الترتب، ولا مدخل له في الاقتضاء...، لكن عدم المانع لا مدخل له في الاقتضاء، كما أن عدم المخصص لا مدخل له في كون الحقيقة هي الراجحة». نفائس الأصول (9/4075).
وكذلك الشرط شرطان: شرط سبب كالقصد والاختيار وهو جزء من المقتضي فلا يوجد السبب إلا بوجود شرطه.
والثاني: شرط حكم فهو مكمّل لحكمة السبب كالحول وليس من السبب.
المسألة الثالثة: [هل صحيح أنّ الحكم متوقف على وجود سببه وتحقق شرطه وانتفاء مانعه، ومتى تخلف أحدها انتفى الحكم]؟
الجواب: هذا الإطلاق فيه نظر وبالتفصيل يرتفع الإشكال!
الحكم يتوقف على سببه وشرطه، فإذا وُجِدا رتّب الحكم عليهما ولا يتوقّف على شيء آخر.
أمّا المانع فإن كان مانع سبب فلا وجود للسبب، ومن ثم لا يقال: الحكم يتوقف على سببه؛ لأن السبب لم يوجد بعد.
وإن كان مانع حكم فالأصل فيه العدم؛ فيكتفى بالأصل العدمي ويرتّب الحكم على السبب بالإجماع، فإن المانع إنما يؤثر حال قيامه بالمحلّ، والأصل عدم المانع من الحكم؛ وعليه فالحكم منوط بالسبب حتى يثبت المانع، ولا يقال: الحكم متوقف حتى يثبت انتفاء المانع ولا أعلم في هذا خلافا معتبرا.
والمقصود: احتمال المانع لا يمنع من الحكم الشرعي لأنه إنما يعتبر عند قيامه بالشخص؛ فلا نكفّر من علمنا أنه مكره لقيام المانع، لكن إن وجد الكفر واحتمل أن يكون له مانع وأن لا يكون وجب تكفيره؛ لأن الأصل عدم المانع وقد وجد السبب فوجب أن يوجد المسبب؛ ولأنّ الأصل ربط الأحكام بأسبابها، ولا يكون مجرّد الاحتمال مانعا من الحكم وإلا لم يستقم لنا حكم في الدنيا.
قال العلامة القرافي: «ليس مجرّد الاحتمال مانعا، وإلا لما اقتصّ مع البيّنة؛ لقيام الاحتمال، فلم يبق إلا اعتبار الظنّ الغالب». الذخيرة في فروع المالكية (10/45).
وقال شيخ الإسلام: «إذا علمنا أنه كان كافراً ولم نعلم انتقاله استصحبنا تلك الحال فيقتل للكفر الذي الآن موجود؛ إذ الأصل بقاؤه على ما كان عليه». الصارم المسلول (3/832).
وقال الإمام ابن القيم: «إن من باشر سبب الحكم باختياره لزمه مسبّبه ومقتضاه، وإن لم يرده». تهذيب السنن (1/525).
وقال: «والشارع إنما جعل للمكلف مباشرة الأسباب فقط، وأما أحكامها المرتّبة عليها فليس إلى المكلَّف، وإنما هو إلى الشارع، فهو نصب الأسباب وجعلَها مقتضياتٍ لأحكامها، وجعل السببَ مقدوراً للعبد، فإذا باشره رتّب عليه الشارع أحكامه...والحكم ليس إلى المكلف حتى يكون إيقاعه إليه...». تهذيب السنن (1/487).
2.5K views18:55