Get Mystery Box with random crypto!

أما قولكم: [هل يصح القول: مناط الحكم العقلي يرتبط مع مناط الحك | بداية السبيل

أما قولكم: [هل يصح القول: مناط الحكم العقلي يرتبط مع مناط الحكم الشرعي، وكلاهما يؤخذ من الكتاب والسنة].

فلا يصحّ جملة وتفصيلا.

أمّا جملة: فإن نظرية المقابلة بين العقل والشرع باطلة على التحقيق؛ لأنّ العقل ليس قسيم الشرع، بل هو قسم منه، والمطالب الدينية العقلية من الشرع وليست خارجة عنه.

وأما تفصيلا؛ فإن ذكر الحكم العقلي والحكم الشرعي لا يتوجّه؛ إذ الحكم العقلي المحض لا علاقة له بهذه المباحث، وإنما الكلام في الحكم العقلي الديني وهو من الشرع، فالحكم العقلي الديني شرعي، والسمعي شرعي أيضا، والعقلي المحض لا ارتباط له بالحكم الشرعي عقليا أو سمعيا، والعقلي الديني مرتبط بالسمعي بعد الرسالة في بعض الأحكام، والسمعي يرتبط بالعقلي مطلقا.
لكن العقلي الديني يثبت قبل الرسالة فلا نطلق القول بارتباط الحكم العقلي بالسمعي كما لا يجوز إطلاق (كلاهما يؤخذ من الكتاب والسنة) لأنّ العقلي المحض لا يؤخذ من السمع والخبر، كذلك العقلي الديني يثبت قبل الرسالة المعيّنة.
على أن العقلي الديني جزء من الشرع فلا وجه للمقابلة بين الشرع والعقل هكذا بإطلاق.

وجملة القول: جعل الحكم الشرعي قسيم الحكم العقلي هكذا باطل عند أهل التحقيق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«وأما أئمة أهلِ السنة -كالصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ ومَن سَلَك سبيلَهم من أئمة المسلمين- فهؤلاءِ أَتَوا بخلاصةِ المعقولِ والمنقول، إذْ كانوا عالمين بأنَّ كلاًّ من ‌الأدلة ‌السمعية ‌والعقلية ‌حق، وأنَّها متلازمةٌ، فمن أعطَى الأدلةَ العقليةَ اليقينية حَقَّها من النظرِ التام عَلِمَ أنها موافِقة لِمَا أخبرتْ به الرسُلُ، ودَلتْهُ على وجوب تصديقِ الرسُل فيما أخبروا به.
ومَن أعطَى الأدلَّةَ السمعيةَ حقَّها مَن الفهم عَلِمَ أنَّ اللهَ أرشدَ عِبادَه في كتابه إلى الأدلة العقلية اليقينية، التي بها يُعلَم وجودُ الخالقِ وثبوتُ صَفاتِ الكمالِ له، وتنـزُّهُه عن النقائصِ وعن أن يكون له مِثْل في شيء من صفاتِ الكمال، و التي تَدُلُّ على وحدانيتِه ووحدانيةِ ربوبيتِه ووحدانية إلهيتِه، وعلى قدرته وعلمِه وحكمتِه ورحمتِه، وصِدْق رُسُلِه ووجوب طاعتِهمِ فيما أوجَبوا وأَمَروا، وتصديقِهم فيما أعلَموا به وأخبروا، وأنَّهم كمَّلُوا بما أُوتُوا من الهُدَى ودينِ الحق للعِبادِ ما كانتْ تَعْجزُ مجردُ عقولهم عن بلوغِه».

والعلة العقلية عند أهل الاصطلاح: ما افتقر الشيءُ في وجوده إليه لذاته.
ويقال: ما توقّف وجودُ الشيء عليه لذاته.
ويقال: ما أوجب حكما لذاته، لا لأمر خارج من وضع أو اصطلاح كالكسر الموجب للانكسار، والتسويد الموجب للسواد، والتحريك الموجب للحركة، والتسكين الموجب للسكون، والتنديد والتشريك الموجب للشرك لذاته.

وقولهم: (لذاته)، احتراز من الشرط؛ فإنّ وجود الشيء يتوقف عليه لكن لا لذاته بل لتوقف تأثير العلة عليه عند القائلين باحتياج العلة العقلية إلى الشرط.

ومن شروط العلة العقلية:
1- وجود الحكم بوجودها في كلّ محلّ وجدت فيه، وامتناع الانتقاض فيها.
2- انتفاء الحكم بانتفائها.
3- استحالة تعليق حكمها بعلّة سواها.
4- وجوب معلولها في كلّ حال من غير اختصاص بوقت أو محلّ؛ لأنها توجب الحكم لذاتها؛ فلا يصحّ وجودها إلا وهي موجبة لحكمها.

والعلة الوضعية تكون علة في وقت دون وقت، وفي محلّ دون غيره، وفي شرط دون غيره، كالزنا علّة لوجوب الرجم بعد السمع بشرط الإحصان.

وعليه فالعلة الشرعية (السمعية): ما أوجب حكما بوضع شرعي أو اصطلاحي لا لذاته.

والله الموفّق.