Get Mystery Box with random crypto!

أما ما ذكرتم من الاختلاف في تعدية الحكم المعلّل إلى غير المذكو | بداية السبيل

أما ما ذكرتم من الاختلاف في تعدية الحكم المعلّل إلى غير المذكور تنصيصا فهو نقل لخلاف غير محقّق في كلام الشارع وأدلّته، إنما الخلاف في تعدية الحكم المعلّل إلى غير المذكور في كلام الناس وخطاباتهم، والفرق بين المقامين ظاهر.

لكن اختلف الأصوليون في كلام الشارع ودلائله في موضعين:
الأول: هل الحكم يعمّ لعموم الخطاب أو لعموم العلّة.
ولا ريب أن الخلاف إنما يتأتّى إذا كان هناك عموم لفظي مع عموم المعنى.

الموضع الثاني: عند احتمال اختصاص الحكم بالمحلّ، ولم يُقطع باستقلال العلة بالحكم، فالجمهور على التعدية والتعميم، ويحكى عن أبي حنيفة والباقلاني عدم التعميم.

أما الأمثلة في ذلك فكثيرة، منها:

1- قوله عليه الصلاة والسلام في المُحِرم الذي وقصته راحلته: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا».
فإن الظاهر تعدية الحكم وعدم اختصاص هذا المحرم بالحكم المنصوص.

2- وقوله عليه السلام لفاطمة بنت حبيش رضي الله عنها في الاستحاضة: «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي».
فالظاهر تعدية الحكم إلى غيرها وعدم اختصاص الحكم بها، بل ثابت لكلّ محلّ وجد فيه هذا المعنى، إلا أن يصرّح بالتخصيص.

3- وقوله عليه السلام في قتلى أحد رضوان الله عليهم: «زملوهم بكلومهم، ودمائهم فإنهم يحشرون، وأوداجهم تشخب دما».
الظاهر عدم الاختصاص بقتلى أحد، بل يعم جميع الشهداء ظاهرا، وإن احتمل أن يكون ذلك لقتلى أحد خاصة لعلوّ درجتهم أو لإخلاصهم في الشهادة.

4- وهو كقوله عليه السّلام: «خمس ‌فواسق يقتلن في الحل والحرم» فإنّه لا يقتصر على هذا العدد، بل الحكم يعمّ ما يساوي الخمس في المعنى، لأن القياس لم يشرع إلا لتوسيع مجاري الحكم؛ ولهذا استدلّ بالحديث على جواز قتل من لجأ إلى الحرم بعد قتله لغيره ظلما لأن إباحة قتل هذه الأشياء في الحرم معلّل بالفسق والعدوان فيعمّ الحكم بعموم العلة؛ فإن القاتل عدوانا فاسق بجريرته فتوجد العلة بطريق الأحرى والأولى لتكليفه وانتفاء التكليف في تلك الفواسق.

5- ومن ذلك: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالظفر، معلّلا بأنها مدى الحبشة، كما علل السنّ بأنه عظم، في قوله لرافع بن خديج رضي الله عنه «ما أنهر الدم وذُكِر اسم الله عليه فكُلْ، ليس السنّ والظفر» الحديث، وظاهر التعليل: المنع من التذكية بسائر العظام عملا بعموم العلة.

قال العلامة الموزعي(825هـ): «إذا علق الشارع الحكم في عين على وصف وعلة وجب عموم ذلك الحكم في كل عين متصفة بذلك الوصف بطريق الشرع....
والدليل على ما قلناه: أن واضع اللغة والشرع بيّن أنها علة الحكم، فعمّت في مدلولاتها كالعلة العقلية....». الاستعداد لرتبة الاجتهاد (1/297).