2023-04-19 02:20:57
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (
٢٨)
نــــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ}.
إِنَّ قصير النَّظر الذي لا ينظُر إِلى أَبعدِ مِن أَرنبةِ أَنفهِ هو الذي يتمنَّى أَن يحصلَ على كُلِّ ما في أَيدي الآخرين، لأَنَّهُ يرى إِلى ظاهرِ الأُمور ولا ينظُر إِلى باطنِها، وهوَ مُصابٌ بقِصر النَّظر فلا يرى الأَشياءَ من بَعيدٍ.
لقد أَوصى أَميرُ المُؤمنينَ (ع) ولدهُ مُحمَّد بن الحنفيَّة لمَّا أَعطاهُ الرَّاية يَوم الجمَل بقولهِ {ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى القَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ}.
ما أَعظمَها من فلسفةٍ نحتاجها لننجحَ.
فما الذي نُركِّز نظرنا عليهِ؟! وكيفَ؟! وما الذي نغُضَّ نظرِنا عنهُ؟! وكيفَ؟!.
إِنَّها مُعادلةٌ مُعقَّدةٌ ولكنَّها في نفسِ الوَقت لازِمة وإِستراتيجيَّة.
تعالُوا نتدبَّر في قصَّة قارونَ والنَّاس ففيها التفاتاتٍ رائعةٍ يلزم أَن ننتبهَ لها لكثرةِ ابتلاءاتِنا بها، وهي تُفكِّك مُعادلة أَميرِ المُؤمنينَ (ع) فتُساعدنا على فهمِها واستيعابِها، تقولُ القصَّة كما وردَت في القرآن الكريم؛
{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ* قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ* فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ* وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
في هذهِ القصَّة — العِبرة نلحظُ نوعَينِ من النَّاس، الأَوَّل؛ هو الذي نظرَ إِلى قارُون واستعراضاتهِ وبهلوانيَّاتهِ برُؤيةٍ ثاقبةٍ ولذلكَ استوعبَ الظَّاهر بعقليَّةِ المُستقبل فلم يتمنَّ شيئاً ممَّا عندهُ لأَنَّهُ فهمَ أَنَّ نهايتَها غَير سعيدة لأَنَّ مُقدِّماتها خطأ في خطأ.
إِنَّهُ يتعامَل معَ يومهِ على اعتبارِ أَنَّ وراءهُ غداً، فالفلكُ لا يتوقَّف عن الدَّورانِ لخاطرِ عيُونِ أَحدٍ.
هذا النَّوع من النَّاس يتمتَّع ببصيرةٍ {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ} فلا ينخدِعَ بالمظاهِر مهما عظُمت، ولا تستهويهِ الإِستعراضات مهما كبُرت واتَّسعت، ولذلكَ لا تهزُّهُ الإِغراءات ولا تغيِّر قناعاتهُ وثوابتَهُ الأَجواء المشحونة بالدِّعايةِ والإِعلامِ المُضلِّل!.
الثَّاني هو الذي نظرَ الى ظاهرِ الأُمور فانخدعَ بالإِستعراضاتِ وضلَّلتهُ الدِّعايةِ السَّوداء فتمنَّى لَو أَنَّهُ يحصل على ويتمتَّع ببعضِ ما يتمتَّعِ بهِ قارون فهوَ لم ينتبهَ إِلى المُقدِّمات الخطأ ولم يلحَظ إِرهاصات المُستقبل التي تختلِف جذريّاً عن واقعِ اللَّحظةِ التي يمرُّ بها.
هذا النَّوع من النَّاس تخدعهُ المظاهِر وتغيِّر قناعاتهُ الدِّعاية لأَنَّهُ من الصِّنفِ الذي {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.
وفي نهايةِ المَطاف لم يصطدِم النَّوع الأَول بالنَّهايات ولذلكَ لم يتراجع عن شيءٍ هوَ لم يقلهُ ولم يتمنَّاهُ بالأَساس، أَمَّا النَّوع الثَّاني فبهرتهُ النَّهايات [المُؤسِفة] وصدمتهُ النَّتيجة المُخزية، لأَنَّهُ كانَ ينتظِر نِهايات [عظيمة] لتلكَ المُقدِّمات [الباهِرة] فتراجعَ عن أَماني كانَ قد تمنَّاها خطأً بسببِ قِصر النَّظر وضَعف الرُّؤية.
52 views23:20