Get Mystery Box with random crypto!

ولا تحاول أن تبرر لنفسك عدم الاعتزاز بها بسبب أنك قد تعرضت للخ | محمود توفيق

ولا تحاول أن تبرر لنفسك عدم الاعتزاز بها بسبب أنك قد تعرضت للخديعة وتم التلاعب بك بإتقان، وصرت في نظر نفسك شخصًا مضحوكًا عليه، وعشت مضغوطًا بسبب هذا الإحساس القاسي بالتغفيل. أعلم أنه أمر مؤسف في الحقيقة، وربما يكون تأثيره السلبي على اعتزازك بنفسك أشد من تأثير الأعمال المتواضعة التي مارستها أو المخازي التي وقعت منك، ولكنه في النهاية شعور يمكن النجاة منه بقدر من العزيمة والحسم.
إذا حدث أن تلاعب بك أحد ما كان مقربًا منك، ربما تجد في نفسك رغبة في أن تستمر في تذكر كل ما حدث بتفاصيله وأنت منهار ومشتت، وتأخذ في الدفاع عن نفسك أمام نفسك، وتقول إنك لم تتوحَّش ولن تتوحَّش، وستبقى نظيفًا كما كنت، ولن تلوثك الدنيا كما لوثت الكثيرين، ولن تفقد إيمانك بأن تعيش صادقًا طاهرًا؛ أما هذا الذي خدعني فلا بد أنه سيخسر في النهاية، ولعلي أرى حطامه يومًا ما.
هذه المرثية الجيدة لن تقودك لتعلم شيء، بل ربما تقودك بسبب عنادك في الدفاع عن نموذجك أن تظل كما أنت وألا تحترس، بل إنك في الغالب ستكافح راغبًا في أن تجد من تثق به ثقة عمياء ويصونك ولا يتلاعب بك، لتقول إن العيب لم يكن فيك أبدًا، بل في هذا الوغد الذي استغفلك ورحل، وربما يقودك هذا العناد من أجل أن تعيش بنفس القلب ونفس النظرة للعالم إلى عضة أخرى أقوى من التي قبلها.
إن ما يرد الاعتبار جزئيًا هو أن تبحث عن الثغرة التي فيك، بعين قوية، وتضع إصبعك بثبات عليها بغير أي تردد، وتسد هذه الثغرة للأبد، وتحسِّن من دفاعك عن نفسك وانتباهك، نعم هكذا، مثلما يفعل الناس عندما يتعرض البيت للسرقة، وأنت أغلى من بيت تعرض للسرقة، لا يكثر الواحد منهم الكلام عن قذارة اللصوص ونظافة قلبه، بل يبحث عن الأماكن التي يمكن القفز منها داخل البيت، ويرفع سورها، أو يضع الأسياخ الحديدية على بعض النوافذ، أو يركب كاميرات مراقبة، أو يجعل باب البيت مصفحًا، أو يشتري كلب حراسة يضعه عند البوابة، أو يترك المنطقة إذا كان يعيش بالقرب من حي يسكنه اللصوص، كل هذه حلول، وكلها تعبر عن إرادة قوية في أن لا يحدث ما حدث من قبل. ومثل هذا يفعل صاحب العمل الذي اكتشف متأخرًا بعض عمليات التبديد على يد أحد موظفيه، إنه لن يستغرق وقتًا وهو يقول ما الذي جعل فلانًا يفعل هذا؟! هو سيحزن، ولكنه لن يقف عند الحزن، ولن يظل مذهولًا مثل أي شخص لا يتمتع بالروح العملية، بل أثناء شعوره بالحزن، ذلك الحزن الذي يليق بالقادة والتجار ولا يشوِّش تفكيرهم، يكون قد أخذ يعيد النظر في منظومة الرقابة الداخلية، واستمع لمساعديه الأكفاء، وأغلق الثغرة التي مر منها الموظف غلقًا محكمًا.
إذًا يجب أن نصرف أغلب طاقتنا إذا ما تعرضنا للتلاعب، في أن نسد الثغرة ونحن نتحرك في الحياة، ونعتبر هذا من رد الاعتبار، ومن إثباتنا لأنفسنا بأننا نستطيع أن نتعلم من الدروس وتزداد لياقتنا في الحياة بأجوائها شبه القتالية، ولكن إن أخذنا نمضغ آلامنا ونحن جالسون على الأرائك، وقررنا العيش بقلب مسكين، فإن هذا الفيض من الشعور الأسود سيترسب منه ما يترسَّب على شكل شيء من عدم الاعتزاز بالنفس.
كتاب حكايات القلب المسكين