2024-06-15 00:21:04
لا أدري بعدُ أيّ تعريفٍ هو الأنسب لهذا القرن الواحد والعشرين؛ لكني على يقينٍ تامٍ أن حرب 7 أكتوبر ستكون من أبرز ركائز تعريف هذا القرن وماهيته. ليست أحداث 11 سبتمبر، ولا الحروب التي تلتها، ولا حتى الحرب الروسية الأوكرانية في نسختها الجارية حتى الآن.
مؤخرًا، باتَ يرق لي أن أنظر إلى هذا القرن باعتباره وحدةً سرديةً متماسكة، لا زلنا في ربعها الأول. وكعادةِ الأحداث في الربع الأول من أية سردية: فهي تؤسس لماهية هذا القرن وحكايته.
وبهذا الاعتبار، فـ كل ما زخم به هذا الربع الأول من هجمات إرهابية كبرى (القاعدة وداعش)، وانتفاضات وثورات (الربيع العربي وبيلا روسيا)، وحروب دولية (الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، الحربين بين روسيا وأوكرانيا، حرب السعودية واليمن، حرب أرمينيا وأذربيجان)، حروب غزة الخمسة، والحروب الأهلية (سوريا وليبيا والسودان واليمن وغيرهم)، والانهيار الاقتصادي العالمي في 2008، وانتشار الأوبئة (سارس وإنفلونزا الخنازير وإيبولا وزيكا وكوفيد)، وارتفاع معدّل الكوارث الطبيعية (زلازل وبراكين وحرائق غابات وغيره)، وتدشين الثورة الصناعية الرابعة (الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل والبيج داتا وإنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيره)، وقفزة تقنيات الحروب الجديدة (السايبر، الدرونز، الذكاء الاصطناعي، وغيره).. كل هذا، وفي هذا الربع الأول فقط، هو مجرّد تأسيس لماهية هذا القرن الواحد العشرين وحكايته؛ لكن أيًا منها لا يمكن التسليم بكونه شرارةً محفّزة أطلقت صراعًا ممتدًا وأعادت مساءلة الثوابت والقيم، وأعادت استدعاء الأسئلة القديمة، واستبدالها بأسئلة جديدة.
الآن، وخلال الشهور الأخيرة، تتزايد أسهم حرب غزة الأخيرة (7 أكتوبر) لتنتزع أهليتها لدور المحفز (Catalyst / Inciting incident)، الذي يطلق رحلة السردية ويعرّف الصراع، ويسحب معه الكثير من الأحداث والنتائج التي سبقته ليعيد تسكينها في سياق هذا الصراع الممتدّ الذي لا زال قيد التعريف هو الآخر. لذا، بتنا نعرف الآن أن تاريخ هذا القرن الحادي والعشرين لا يمكن تجاوزه تعريفه دون الارتكاز على 7 أكتوبر، واللافت هنا أنه كعادة أي سردية، يأتي قبل نهاية ربعها الأول بقليل.
اللافت أكثر، هو في استشرافات مستقبل سنوات هذا القرن؛ فأغلب الدراسات والبرامج التقنية والعملية التي وضعت على أساسها كانت تحوم حول العام 2040م - وكانت طموحة متفائلة بالمناسبة-، وخلال السنوات العشر الأخيرة بدأت تظهر التقديرات والتوقعات حتى حد أقصى 2050م - وجاءت كارثية إنذارية بالمناسبة-، ونادرًا ما تتجاوز التقديرات هذا العام المنصّف لهذا القرن.
لن يكون ابتذالاً إذن، أن أنوّه إلى أنّ نقطة المنتصف في السرديات، تعني نقلةً مصيرية صادمة في الأحداث؛ ستستمر الرحلة إلى الأمام، ولكن ما بعد هذه النقطة لن يكون قطّ كما كان قبلها.
والآن، لا أحدَ يعرف يقينًا ماذا هنالك بعد 2050م، ولا يبدو أنّ مَن لديهم مؤشرات وتوقعات متماسكة، لديهم الجرأةُ بعدُ ليشاركونا ما لديهم؛ لكن يكفينا الآن أن نكون متأكدين أنّ شرارةَ صراعٍ طويلٍ ممتدّ قد اندلعت بالفعل، وأننا نعيش لحظة تعريف هذا القرن لذاته، وأنّ ما مضى خلال الـ23 سنة الماضية ليس سوى مجرّد تمهيدٍ للأحداث، تسخين ما قبل النزال الحقيقي الطويل؛ بين البشر والطبيعة، وبين البشر وبعضهم البعض.
اِبقوا معنا.
3.7K views21:21