Get Mystery Box with random crypto!

ذكرياتي مع الشَّيخ.. محمَّد ناصر الدِّين #الألباني د. رضا ب | موسوعة الإمام الألباني

ذكرياتي مع الشَّيخ.. محمَّد ناصر الدِّين #الألباني

د. رضا بوشامة
أستاذ بكلِّيَّة العلوم الإسلاميَّة بجامعة الجزائر
نشر في العدد (31) من #مجلة_الإصلاح


كان ذلك في أيَّام حجِّ سنة (1410هـ) وهي السَّنة الَّتي أنهيت فيها دراستي الثَّانوية بالمعهد الثَّانوي بالجامعة الإسلاميَّة، وهي أوَّل حجَّة حججتها.
بعد أن وصلت إلى مكَّة المكرَّمة ـ شرَّفها الله ـ استضافني أحد الطَّلبة الجزائريِّين في مسكنه الجامعي بالعزيزيَّة فتركت عنده أغراضي استعدادًا للسَّفر بعد الحجِّ.
وكان طرق مسامعنا أنَّ الشَّيخ الألباني حاجٌّ هذه السَّنة.
وفي اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة انطلقت إلى منًى ضحى، وقدَّر الله أن التقيت زميلي الدُّكتور جمال عزُّون وكان آنذاك طالبًا في كليَّة الحديث الشَّريف.
فنمى إليَّ أو نميت إليه خبر قدوم الشَّيخ وكلانا يبحث عن مكان وجوده.
لكن لا أحد منَّا اهتدى إلى ذلك، إلاَّ أنَّ الأخ جمالاً كان في حوزته رقم هاتف أحد أصهار الشَّيخ فبحثنا عن هاتف عمومي (ولم يكن يومئذ جوَّالات) فاتَّصل فأخبرونا أنَّ الشَّيخ في مكان يسمَّى (الرّبوة) في منًى، ومنًَى كلُّها فِجاج.
فبدأنا رحلة البحث عن الشَّيخ، نسأل هنا وهناك، ونتسمَّع أصوات المدرِّسين والمرشدين في الخيم لعلَّنا نظفر بصوت يشبه صوت الشَّيخ.
فمن ضحى ذاك اليوم ونحن نبحث إلى أن وصلنا إلى المكان الَّذي يسمَّى (الرّبوة) بعد المغرب، فالتقينا ببعض الشَّباب من طلبة العلم من أهل المدينة كنت على معرفة بهم فسألناهم عن الشَّيخ، فوجَّهونا إلى مكان وجوده.
فعند اقترابنا من المخيَّم إذا بصوت الشَّيخ ينبعث منه فتذكَّرت تلك الأشرطة الَّتي كنَّا نستمع إليها قبل جلوسنا عنده، وتعجَّبت من أولئك الشَّباب الَّذين بَقَوْا في مخيَّمهم وهم على علم بمكان الشَّيخ؛ إلاَّ أنَّهم لم يكونوا على معرفة بقدره وفضله وعلمه.
دخلنا المخيَّم فإذا بالشَّيخ جالس على كرسي يلقي درسًا على حجَّاج ذاك المخيَّم، فجلسنا نستمع إلى كلامه، وكلُّنا فرح وسرور بلقائه، خاصَّة إذا أيقنت حقيقةً لا خيالا أنَّك تحجُّ حجَّتك الأولى مع عالم زمانه ومحدِّث عصره؛ وسترى تطبيق ما كتبه عن المناسك تطبيقًا فعليًّا عسى أن تحظى بحجَّة كما حجَّها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
بعد أن أنهى الشَّيخ كلمته أجاب عن الأسئلة، ثمَّ دخل خيمته المخصَّصة له داخل الخيمة الكبيرة، وهي محتوية على سرير وفراش للشَّيخ وبعض الأمور الَّتي يستعين بها على الوضوء وغيره.
تشاورت مع أخي جمال وقلنا لا بدَّ من البقاء مع الشَّيخ طوال حجِّه.
فما كان إلاَّ أن استئذنَّا في البقاء مع أهل المخيَّم وغالبهم من الأردن إن لم يكن كلّهم، وكان برفقة الشَّيخ مجموعة من تلاميذه من أهل الأردن وغيرهم، فأذنوا بذلك جزاهم الله خيرًا، ففرحنا بذلك وبقينا في المخيَّم نتعرَّف على بعض طلاَّب العلم من طلبة الشَّيخ، وممَّن تعرَّفنا عليه وقرَّبنا إليه مسجِّلُ أشرطة الشَّيخِ أبو ليلى الأثري، فكان يسجِّل للشَّيخ تلك الحلقات، وكنت أحمل معي أيضًا مسجِّلاً فصرت أسجل للشَّيخ كما يسجِّل.
في اليوم التَّالي وهو يوم عرفة، بدأ التَّهيُّؤ للصعود إلى عرفة ركب الشَّيخ سيَّارة خاصَّة مع صهره وأبي ليلي، وركبنا حافلة صغيرة مع طلبة الشَّيخ، ولمَّا وصلنا إلى عرفة أخذ كلٌّ منَّا مكانه في الخيمة المخصَّصة للحملة، وجلست قريبًا من الشَّيخ أرقب ما يصنع في هذا اليوم، فرأيت فيه الاتِّباع للسُّنَّة والاجتهاد في العبادة ما لم نكن نسمعه عن الشَّيخ، فلم يزل يذكر الله تعالى ويكبره ويعظمه، بل قد يستلقي أحدنا من شدَّة التَّعب والحرارة (ولم يكن يومئذ مكيِّفات في الخيم) والشَّيخ باق على ذكره، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويرشد المخطئ، إذا رأى شخصًا يقرأ في كتاب الله نصحه بالذِّكر الوارد في هذا اليوم لأنَّه أفضل من قراءة القرآن، ويأتيه السَّائل يسأله فيجيب الشَّيخ عن سؤاله، وأذكر أنَّه جاءه أحد العمَّال المصريِّين وكان يشتغل في نصب خيام الحجاج، وبدا له أن يحجَّ في ذاك اليوم، فاستفسر منه الشَّيخ هل النِّيَّة عقدها ذاك اليوم أم قبله؟ فأجابه بأنَّه لما رأى الحجيج أراد أن يحجَّ ونواه، فأمره الشَّيخ أن يلبِّي بالحجِّ ويحرم من مكانه.
وكان الشَّيخ يؤتى له في بعض الأحيان بالحلو البارد (البطِّيخ) فكان يطعمني منه ـ جزاه الله خيرا ـ لأنَّني كنت أقرب النَّاس مجلسًا منه في ذاك اليوم، ويعلم الله كم تأثَّرت بكثرة عبادته وذكره، خلاف ما يشاع عنه أنَّه يعنى فقط بالأسانيد ولا اجتهاد له في العبادة، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].