Get Mystery Box with random crypto!

موقف للاعتبار: في مطلع شبابي كان الحماس يملأ نواحي قلبي .. و | التوحيد اولاً 💎📋

موقف للاعتبار:

في مطلع شبابي كان الحماس يملأ نواحي قلبي .. و كانت الغيرة على الدين كطوفان يجتاح أقطار نفسي عند رؤية بادرة انتهاك للمحارم .
كنت حريصا على الكمال في كل شيء .. حريصا على السنة في كل قلامة ظفر، بل في كل حكة رأس .
كنت لا أطيق رؤية أي معصية إلا قابلتها باﻹنكار و صاحبها بالنصح و اﻹرشاد .
و قد استبد بي هذا اﻷمر ( الحسن ) حتى أدخلني هذا الحماس العاتي إلى كهف ( اللاحسن ) و هو ما أحذر الناس منه لاسيما المتحمسين من الشباب .

كان لي جار صديق حبيب .. فيه من الخير ما فيه .. غير أنه - و بسبب إنهاكه في عمله و تأخر نومه - كان ينام عن صلاة الفجر .. و تكرر ذلك منه .. كما كان تفوته صلاة العصر في جماعة لنفس السبب .
و لقربي منه نصحته مرة فمرة .. و الرجل يبدي تجاوبا و تأثراً و ألما على حاله .. لكنه لم يبرح مكانه في تغيير حاله .
و قد كنت أضرب عليه جرس منزله عند ذهابي للصلاة أو أتصل عليه .. من غير جدوى .
لكني - و للأسف - لم أكتف بهذا النصح الذي هو غاية المطلوب مني تجاهه .. بل و بدافع الحرص على الرجل - في زعمي - صرت أكلم كثيراً ممن له صلة بالرجل عن هذا اﻷمر ظنا مني أنني أقوم بشيء حسن .. كنت أكلم كل من هب و دب .. فلم يكن ذلك غير فضيحة للرجل .. و كان أغلب من أكلمهم يكتفون بمصمصة شفاههم على حال أخينا البائس دون أن يفاتحوه في اﻷمر .. فلم أزد عن فضح الرجل بين الناس من غير ما طائل !
و استمر بي الحال نهشا لحرمة الرجل المسكين و لوكا لعرضه في فمي و أفواه الناس .. ظنا مني أنني بذلك الصنيع أغير الناس على حرمات الله .. و أحرص عباد الله على رعاية مصالح عباد الله و صونا لشريعة الله .
و الحق الذي لا مرية فيه أنه منهج فاسد و مضر و لا مصلحة فيه .
و كانت عقوبة الله لي بالمرصاد .. فلم يمض عام حتى انقلب الحال و الله العظيم .
أنا الذي كنت لا أترك ركعة من ليل أو نهار إلا في المسجد و مع جماعة المسلمين بما فيها الفجر و العصر .. صرت و بلا سبب ظاهر أتباطأ عن الصلوات في جماعة .. و أصبحت أصلي في البيت بلا سبب و ﻷتفه اﻷسباب و بأي عذر مختلق .. أما عن الفجر فهاك المصيبة : لم أعد أصلي الفجر في جماعة و لا في وقته لمدة عام كامل بل يزيد .. و مثله العصر .
و من سخريات القدر بي أنه في الوقت الذي حدث مني هذا الانقلاب كان هناك انقلاب آخر على ضفة هذا الرجل، لكنه انقلاب إيجابي و تحول عجيب .. فبينما كنت أغط في نوم عميق إذا بي أسمع وقع نعال صاحبنا ذهابا و إيابا إلى المسجد في الفجر .. لم يترك طيلة عام كامل صلاة واحدة .. و أحاول الانتفاض من فراشي فلا أكاد أستطيع .. كأنما قيدت بالسلاسل و اﻷغلال .
و مع ذلك لم يفضحني و لم يعيرني .. غاية ما هنالك أنه كان يسألني مطمئنا على حالي و صحتي و كيف أنه افتقدني في الفجر !
و في كل ذلك لا أدري سر انقلابي و انقلابه !
و لم أقف لمجرد هنيهة مع النفس معاتبا و محاسبا و باحثا عن السبب .
حتى مر عام على ذلك قبل أن تتغمدني رحمة الله فتنتشلني من الهوة السحيقة التي ترديت فيها .. فعرفت سبب هذا المآل المخزي .. و كم أن الله ستير يحب الستر .. و كم هو رحيم بعباده حتى العصاة منهم .. و كم يبغض المتألين على الله .. و كيف أن الداعية مهما بلغ به الحماس و الغيرة فيجب ألا ينسى أنه ليس على العباد بمسيطر .. و ليس في يده مفاتيح الرضوان و الجنان .. و كيف أنه في أمس الحاجة لرعاية حقوق الخلق و سؤال الله العافية .. و كلما كان الداعية رحيما شفوقا على العباد كان جديرا برحمة الله أن تحيط به و تكتنفه من جهاته اﻷربعة .
كثيرا ما نخلط على أنفسنا .. فندخل تشوهاتنا النفسية و عيوبنا الداخلية في أدبياتنا، و نلبس الجميع لباس الصلاح و إرادة الخير، اﻷمر بالمعروف و النهي عن المنكر .. و ما هي إلا تنفيسات و ضغائن و أحقاد .
و كم من مريد للخير لا يبلغه .
عدت أستغفر الله على ما جنيت .. و سألت الله العافية من شؤم ما صنعت .. و أظهرت افتقاري و انكساري بين يدي الله .. و صرت أكثر رحمة و شفقة بالخلق .
نعم آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر .. لكن ضمن حدود و ضوابط الشرع فلا أتعدى و لا أبغي .. و لا أتجاسر على رمي الناس باﻹفك و الحكم عليهم .. و صرت ألتمس للناس اﻷعذار .. أنصحهم و لا أفضحهم .. أشفق عليهم و لا أتشفى فيهم .
إن تمني السلامة للمسلمين و الستر عليهم = مطلب شرعي و دليل سلامة القلب و طهارة الطوية .
إن أكثر الناس فريا للحوم الناس .. و وقيعة في أعراضهم .. و تصيدا ﻷخطائهم و تتبعا لمواطن زللهم = هم أكثر الناس نكوصا و نكولا و نكثا .
تعلمت من هذا الدرس كثيراً كثيراً ربما أفرده بمنشور مستقل .
أيها اﻹخوة: سلوا الله العافية .. و تمنوا السلامة للمسلمين .. و لا تفرحوا في العصاة .. و لينوا في أيدي إخوانكم .. و ليربت بعضكم على بعض في حنو و رحمة .
أولى الناس برحمة الله أرحمهم للخلق .. و ليس كل العصاة ندت منهم المعاصي مشاقة لله و رسوله .. بل كثير منهم طالته المعصية ضعفا و شهوة و قهرا و تسلطا و غلبة.. و معا