2024-05-17 22:06:39
الغزو والاحتلال والحملات والحروب.جميعها مسميات لأفعال متقاربة، غالباً ما يكون هدفها مشترك؛ وهو السيطرة على الأرض، أو التوسع في الممالك، أو القضاء على الثقافات المتقدمة، أو الإبادات الجماعية لقبيلة أو لعرق أو لأديان معينة.
وهذا ما نسميه بالغزو العسكري.
لكن هناك غزو آخر غير هذا الغزو، وكثيراً ما يكون خفياً، وهو لا يقل في خطورته مطلقاً عن الغزو العسكري؛ ألا وهو الغزو الفكري.
ولنضرب المثال على دول المسلمين.
عندنا أراد الغرب والممالك الأخرى -منذ ظهور الإسلام- غزو الدول والمجتمعات والممالك الإسلامية، كانت أهدافهم الكبرى غالباً تتمثل في شيئين:
أ- احتلال الأرض وإحكام السيطرة عليها وما يترتب على ذلك من مصالح كثيرة، وفي إظهار النفوذ العام، والإبادة الجماعية في بعض الأحيان.
ب- القضاء على الإسلام في ذاته، وإن استصعب عليهم ذلك انتقلوا إلى ما يسمى بالغزو الفكري، والذي يتركز بشكل أساسي في تغيير هُويات وثقافات الأمة الإسلامية.
فعملوا على ذلك الغزو والاستعباد الفكري من عدة طرق، أبرزها وأخطرها عندي في أربعة ملامح:
١-
القضاء على التقدم العلمي: فتحريق الكتب والعلماء كان هو الهدف الأول للمحتل أو العدو، لمحو تاريخ المغلوب وتقدمه العلمي، وهدم علومه وحضارته، لكي لا تقوم له قائمة بعدها، وهذا سيفتح الباب أمام المحتل لصياغة تاريخ جديد يقوم على غرز كل ما يشتهي من هويات ولغات ومعارف وعادات في هذه الأرض المحتلة.
ويظهر ذلك في غزو المغول لبغداد بأن قضوا على مكتبة بيت الحكمة وغيرها، ورُويَ أن الأنهار تلونت حينها بلون الحبر من كثرة الكتب التي ألقيت فيها.
ويظهر في القضاء على مكتبات الأندلس، ومكتبة الأزهر في عهد الحملة الفرنسية، وغيرها الكثير والكثير.
٢-
القضاء على اللغة العربية: ويظهر ذلك جلياً في احتلال فرنسا للجزائر في القرن قبل الماضي، فوصل الأمر أنه لولا الله ثم اللغة العربية وتمسك أهلها بها وتعلمهم إياها لتحولت الجزائر إلى مستعمرة فرنسية من الدرجة الأولى كما كانت تخطط فرنسا.
فهذه حرب هويات من خلال اللغة، لأن اللغة هي هوية الأمة، وبالقضاء على اللغة فقد نجح العدو في احتلالنا بدون مجهود.
٣-
تقسيم الأراضي الإسلامية إلى دول متفرقة عن بعضها البعض، تابعة لنفسها فقط لا تبالي لدولتها الشقيقة الإسلامية التي تُحارب وتُجُوّع وتموت، ولنا في فلسطين الآن خير مثال.
حتى أصبح ما يفرق بين المسلم والمسلم هو جنسية وحدود جغرافية، وأصبح الرابط الأقوى وهو الإسلام هامشياً!
وبهذا التفرق الجغرافي سيسهل على المحتل أيما سهولة في فعل ما تهواه نفسه في هذه الدول من تدمير وتخريب واحتلال.
٤-
العمل على تغيير فطرة النساء وانحرافهن عن وظيفتهن الأساسية: بأن جعلوهن يخجلن من لقب ربة المنزل، ومقارنة ذلك بالفشل والجهل، والتركيز على تحريرها من دينها وحيائها وأخلاقها بدعوة العمل خارج المنزل، وأن في ذلك الفلاح والنجاح والمال والنفوذ، وجعل تنشئة الأطفال وتربيتهم ورعايتهم أمراً تابعاً لا رئيساً!
فأصبح بذلك مكان المنشأ -وهو البيت- خالياً من عوامل التربية والرعاية، فماذا تنتظر من أجيال تتربى في هكذا بيئة؟!
فانظر كيف جَهّلُوا المرأة باسم العمل! بأن ربطوه بالعمل خارج البيت فقط، حتى انتكست الفطرة وأصبح البيت في مراتب متأخرة جداً في أهداف المرأة، ولنا في الحركات النسوية خير مثال.
وفي انهيار وفساد المرأة ضياع البيت والأسرة، ومن ثَمَّ صناعة أبناء وأجيال هشة من أصلابهن، بلا دين ولا هوية ولا علم.
وماذا يحتاج العدو أكثر من هذا؟
ففي هذه الأربعة مراد العدو كله، ولا يشغله كثيراً أن يحتل أرضك مادام محتل عقلك!
فهو في الحالتين يفعل ما يشاء.
فكن واعي يا مسلم بهذا، حتى لا يتم استغفالك.
#علي_كمال
قناة التيليجرام الرسمية
5.1K viewsedited 19:06