Get Mystery Box with random crypto!

والمقصود: أنّ الأسباب الشرعية لا يجوز إهمالها بدعوى الاحتمال؛ | بداية السبيل

والمقصود: أنّ الأسباب الشرعية لا يجوز إهمالها بدعوى الاحتمال؛ لأن الظنيّ لا يعارض القطعيّ، فما كان ثابتا بقطع أو بظن لا يعارض بالوهم والشك والاحتمال؛ إذ المحتمل مشكوك فيه، والمعلوم ثابت، وعند التعارض لا ينبغي الالتفات إلى المشكوك وترك الثابت من الأسباب؛ والقاعدة الشرعية: إلغاء كل مشكوك فيه، والعمل بالمتحقق من الأسباب أو الأصول.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «فلا يجوز تعطيل الوصف عن موجبه ومقتضاه من غير فوات شرطٍ أو قيام مانعٍ». أعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 285).

والحاصل من القاعدة:
- أن الأصل في المانع العدم، وأن السبب يستقلّ بالحكم، ولا أثر للمانع حتى يتحقّق وجوده أو يظنّ به.
- أنّ عدم المانع ليس جزءاً من المقتضي، بل وجوده مانع للحكم، لكن هذا مما التبس على كثير، وتحريره من أحسن المطالب.

بيانه: أنّ الحكم يثبت بسببه، ووجود المانع يدفعه؛ فإذا لم نعلم بوجود المانع استقل السبب بالحكم.
هذا مقصود الفقهاء بانتفاء المانع، أي عدم الظنّ بوجود المانع عند الحاكم والمفتي ونحوهما، ولا يعنون انتفاءه حقيقة في نفس الأمر، بل المراد: ألّا يُعلم المانع أو يظن في المحل المحكوم عليه.
لنضرب مثالا بمانع مجمع عليه - مانع الإكراه- فنقول: عندنا صور ثلاث:

الأولى: فلان المعيّن، وقع في كفر، لكن علمنا أنه كان مكرها فلا يُحكم بكفره لقيام المانع.

الثانية: فلان آخر وقع في كفر، وعلمنا أنه لم يكن مكرها فيحكم عليه بالكفر لقيام السبب وانتفاء المانع.

الثالثة: وقع في شرك أكبر، ولم يُعْلم هل كان مكرها أم طائعا؟ هذه الصورة محلّ الكلام بين الناس.
من يقول: لا يُحكم عليه بالكفر حتى نتحقّق من انتفاء المانع فقد بنى على أوهام فكرية!
والتحقيق: أنّ صاحب الصورة الثالثة كافر مشرك لقيام السبب وعدم الظنّ بالمانع، ولا اعتبار باحتمال الإكراه، لأن الأصل ترتّب الحكم على سببه.

هذا مذهب العلماء من المتقدمين والمتأخرين خلافا لمذهب الزنادقة في عصرنا:(احتمال المانع يمنع من العمل بالسبب) وهذا خروج من قواعد الدين والعلم.

وهذه بعض تطبيقات فقهاء السلف للقاعدة.
يقول الإمام ابن شهاب الزهري (125هـ) وربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي(136هـ) رحمهما الله في الأسير المفقود بدار الكفر: «إن تنصّر ولا يعلم أمكره أو غيره، فرّق بينه وبين امرأته وأوقف ماله. وإن أكره على النصرانية لم يفرّق بينه وبين امرأته وأوقف ماله وينفق على امرأته من ماله».
وقال الإمام مالك بن أنس (179هـ) رحمه الله: «إذا تنصّر الأسير، فإن عرف أنه تنصر طائعا فرّق بينه وبين امرأته.
وإن أكره لم يفرّق بينه وبين امرأته. وإن لم يعلم أنه تنصّر مكرها أو طائعا فرّق بينه وبين امرأته وماله في ذلك كله يوقف عليه حتى يموت فيكون في بيت مال المسلمين أو يرجع إلى الإسلام»
. المدوّنة الكبرى (2/36-37) والأوسط لابن المنذر (13/487-).

اتفق الفقهاء الثلاثة على أنّ أحكام المرتد تجري على الأسير إذا لم يعلم هل كان مكرها أم طائعا؟
وهذا الحكم هو الجاري على القواعد؛ فإن المانع يكون مانعا عند العلم بوجوده حقيقة أو الظنّ به، وإلا فاحتمال الإكراه في حق الأسير أقوى، ومع ذلك لم يعتبروه مانعا من التكفير والحكم بالارتداد.

هذا، وقد استوفيت الكلام في هذه القضية في (الأجوبة الجيبوتية) و(المباحث المشرقية) و(مناظرة السوداني).

والله الموفّق وعليه التكلان ولا حول ولا قوّة إلا به.