- قال العلامة عبد الرحمٰن السعدي • - رحمه الله تبارك و تعالىٰ - :
• - يقول تعالىٰ - مرغبًا للخلق في الإقبال علىٰ هذا الكتاب الكريم ، بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } أي : تعظكم ، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله ، المقتضية لعقابه وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها . • - { وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ } وهو هذا القرآن ، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع وأمراض الشبهات ، القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد ، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة . • - وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير ، والرهبة من الشر ، ونمتا علىٰ تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن ، أوجب ذلك تقديم مراد الله علىٰ مراد النفس ، وصار ما يرضي الله أحب إلىٰ العبد من شهوة نفسه . • - وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف ، وبينها أحسن بيان ، مما يزيل الشبه القادحة في الحق ، ويصل به القلب إلىٰ أعلىٰ درجات اليقين . • - وإذا صح القلب من مرضه ، ورفل بأثواب العافية ، تبعته الجوارح كلها ، فإنها تصلح بصلاحه ، وتفسد بفساده . • - { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } فالهدىٰ هو العلم بالحق والعمل به . • - والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان ، والثواب العاجل والآجل ، لمن اهتدىٰ به ، فالهدىٰ أجل الوسائل ، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب ، ولكن لا يهتدي به ، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين . • - وإذا حصل الهدىٰ ، وحلت الرحمة الناشئة عنه ، حصلت السعادة والفلاح ، والربح والنجاح ، والفرح والسرور . • - ولذلك أمر تعالىٰ بالفرح بذلك فقال : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ } الذي هو القرآن ، الذي هو أعظم نعمة ومنة ، وفضل تفضل الله به علىٰ عباده { وَبِرَحْمَتِهِ } الدين والإيمان ، وعبادة الله ومحبته ومعرفته . • - { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } من متاع الدنيا ولذاتها . • - فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين ، لا نسبة بينها ، وبين جميع ما في الدنيا ، مما هو مضمحل زائل عن قريب . • - وإنما أمر الله تعالىٰ بالفرح بفضله ورحمته ، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها ، وشكرها لله تعالىٰ ، وقوتها ، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما ، وهذا فرح محمود ، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها ، أو الفرح بالباطل ، فإن هذا مذموم كما قال تعالىٰ عن قوم قارون له : { لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } . • - وكما قال تعالىٰ في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل المناقض لما جاءت به الرسل : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } .
【 تيسير الكريم الرحمٰن (٣٦٦/١) 】 ༄༅༄༅❁❁✿❁❁༄༅༄༅