2023-05-23 14:38:38
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اشتمل السؤال على استفسارين:
الأول: حكم الجمعية.
الثاني: حكم الانتقال من مذهبك إلى آخر في بعض القصايا الفرعية.
أما الأول: فإن الجمعية أو جمعية الموظفين من القرض، وهو عقد إرفاق لا معاوضة، والأصل في المعاملات الحلّ والإباحة إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على منصوص.
وهذا الضرب من القرض ليس بمنصوص على تحريمه، ولا في معنى المنصوص فوجب بقاؤه على الإباحة.
وما روي عن النبي عليه السلام: «كلّ قرض جرّ منفعة فهو ربا» فضعيف لا يصح وإن كان عليه العمل غالبا، لكن ذكر أهل العلم أن الحديث محمول على القرض الذي يجرّ منفعة زائدة، للمقرض خالصة.
فإن كانت المنفعة للمقترض أو كانت أكثر في جانبه فكثيرا ما يختلفون، والأكثرون على الجواز غالبا، يقولون: «نفع المقترض لا يمنع منه؛ لأن القرض إنما شرع رفقاً به».
وإن كان يجرّ منفعة للمقرض والمقترض معا على حدّ سواء فلا يكون من الربا لانتفاء الزيادة، ومن فروعها مسالة (ضع وتعجّل).
وإن كان القرض يجرّ منفعة للمقرض ولم تكن مشروطة في العقد ولا متعارفا عليها، بل كانت بمخض اختيار المقترض فمن مكارم الأخلاق وحسن القضاء والوفاء.
وفيه أحاديث عن النبي المختار وآثار عن أصحابه والتابعين لهم بإحسان.
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن معنى "كلّ قرض جرّ منفعة فهو حرام"؟ فقال: «...وَذَلِكَ أَن يرجع بقرضه وَقد ازاداد مَنْفَعَة».
ومعلوم أن المقرض في الجمعية لا يرجع بشيء زائد لا قدرا ولا وصفا وإنما يرجع بنفس ماله بدون زيادة ولا نقصان وكذلك المقترض.
وممن قال بالجواز من متأخري الشافعية: ولي الدين العراقي والقليوبي.
جاء في حاشية القليوبي (2/ 321): «فَرْعٌ: الْجُمُعَةُ الْمَشْهُورَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ بِأَنْ تَأْخُذَ امْرَأَةٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُنَّ قَدْرًا مُعَيَّنًا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَدْفَعُهُ لِوَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، إلَى آخِرِهِنَّ جَائِزَةٌ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ».
وذهب إلى الجواز أكثر المتفقهة في عصرنا قالوا: «لم يظهر ما يمنع هذا النوع من التعامل؛ لأن المنفعة التي تحصل للمقرض، لا تنقص المقترض شيئًا من ماله، وإنما يحصل المقترض على منفعة مساوية لها؛ ولأن فيه مصلحة لهم جميعًا من غير ضرر على واحد منهم، أو زيادة نفع لآخر. والشرع المطهر لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها على أحد بل ورد بمشروعيتها».
وأما الثاني: «هل يجوز له أن ينتقل من المذهب إلى غيره في هذه الجزئية بعد الاستفتاء قبل العمل» فلا مانع منه في هذه الحال؛ للحرج والمشقة المذكورة في السؤال.
قال ابن السبكي: «يجوز التقليد للجاهل، والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة، من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال: الاختلاف رحمة، إذ الرخص رحمة». الإبهاج في شرح المنهاج" (3/19).
ولأن القول بالجواز أقوى من القول بالمنع من حيث الدليل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني، مثل أن يتبين رجحان قول على قول، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله: فهو مثاب على ذلك، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه، ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال» مجموع الفتاوى (20/223).
والممنوع منه: التنقل بين المذاهب تتبعًا للرخص بمجرّد الهوى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله؛ فإنه يكون متبعا لهواه، وعاملا بغير اجتهاد ولا تقليد، فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي، فهذا منكر...
وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول، إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها، وإما بأن يرى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر، وهو أتقى لله فيما يقوله، فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا، فهذا يجوز بل يجب وقد نص الإمام أحمد على ذلك». مجموع الفتاوى (20/220).
الخلاصة:
المختار جواز الجمعية بشرط الوفاء والمعاملة بالمثل، وجواز التقليد لغير مذهبك لقوة الدليل، أو لشدّة الحاجة، أو ضيق الوقت عن البحث والتنقيب.
أما العامي فلا مذهب له؛ إنما مذهبه مذهب المستفتي بعد الاجتهاد في الأعلم الأورع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «واجتهاد العامة: هو طلبهم العلم من العلماء، بالسؤال والاستفتاء، بحسب إمكانهم». جامع الرسائل (2/318).
والله الموفّق للصواب.
5.0K views11:38